- شعار الرابطة

السبت, 09-فبراير-2013
خاص -




بسم الله الرحمن الرحيم

دراسة حول
" تقييم سياسات الهجرة في اليمن ودول الخليج وآثارها على التنمية الشاملة
ومستقبل العمالة الآسيوية في دول الخليج "


إعداد
رابطة المعونة لحقوق الإنسان والهجرة


صنعاء في
أكتوبر 2011م










- المقدمة:
لقد شهد العالم منذ النصف الثاني من القرن العشرين تطورات متسارعة نتيجة لاكتشاف عالم الحاسوب والإنترنت الذي أطلق عليه المؤرخون بعصر الانفجار المعرفي ،والذي تلاشت معه الجغرافيا ببعديها ألزماني والمكاني وأصبح العالم يعرف بالقرية الكونية، وأصبحت التكنولوجيا هي المسيطرة على كل مجالات الحياة ،وبدخول هذا المتغير الهام في عالمنا تغيرت وفقا لذلك نوعية العمالة المطلوبة في سوق العمل المحلي والإقليمي والدولي.
حيث تحولت من عمالة تعتمد على الجهد العضلي إلي عمالة تعتمد على الجهد الذهني المعرفي القادر على التعامل مع التكنولوجيا واستيعاب كل ما يستجد في سوق العمل. ووفقاً لهذا المتغير تسعى الدول اليوم جاهده إلي تأهيل عمالتها وفق متطلبات عصر التكنولوجيا .
وبما أن العمالة المهاجرة هي الرديف الأساس للتنمية في بلدانهم ،حيث تعد تحويلاتهم النقدية من أهم الموارد الاقتصادية التي تدعم استقرار العملة الوطنية، ناهيك عن دورهم في الاستثمار في بلدانهم ،والدفع بعجلة التنمية وتشغيل الأيادي العاملة ،مما يساعد على الحد من البطالة أو التقليص من ظاهرة الفقر.
لذلك تسعى كثير من الدول اليوم إلي إعادة ر سم سياسيتها وخططها وبرامجها بما يضمن استغلال مواردها البشرية ،من خلال تدريبها وتأهيلها وتمكينها من الحصول على فرص العمل المناسبة وفقاً لمتطلبات العصر، وبما أن العمالة في بلادنا تعد دون المستوى المطلوب للعمالة المؤهلة والمدربة ،فقد أصبحت من العوامل المعيقة للاستثمار والتنمية ،بل تعد من أهم المعوقات أمام انضمام اليمن لدول مجلس التعاون الخليجي ،وباعتبار ثروتنا البشرية هي أغلى ما نملك وكل ما نملك، والبديل المناسب لدول مجلس التعاون الخليجي لإحلالها محل العمالة الأسيوية التي أصبحت تشكل تهديداً واضحاً لشعوب ودول المنظومة الخليجية وهويتها العربية،وبالتالي فإننا نهدف من خلال هذه الدراسة إلى تقديم رؤى واقتراحات من خلال استعراض واقع العمالة اليمنية في دول الخليج العربي، وما هي المعوقات التي تحول دون تمكينهم من العمل في الخليج ؟وما مدى الفائدة التي ستعود على اليمن والخليج من استيعابهم في إطار منظومة العمل الخليجية؟ الأمر الذي يحتم علينا رسم الخطط والبرامج الهادفة التي تضمن تأهيل العمالة اليمنية وفقاً لمتطلبات السوق المحلية والخليجية لخلق تحالف قائم على الشراكة وتبادل المنفعة معاً في إطار منظومة واحدة متكاملة.
وتتناول هذه الدراسة ظاهرة الهجرة من اليمن إلى دول مجلس التعاون الخليجي ، هذه الدول التي تمثل واحدة من أهم الأقاليم الدولية استقبالا وتأثرا بهجرة العمالة الوافدة وبالذات العمالة الآسيوية وتمثل هذه الظاهرة موقع القمة بين اهتمامات واضعي السياسات وصانعي القرارات في دول مجلس التعاون الخليجي، فهي إلى جانب إنها مثلت ولا تزال ضرورة يصعب الاستغناء عنها، لعلاقتها الجوهرية بالتنمية، إلا أنها في الوقت نفسه ذات تأثيرات سلبية بدأت تتضح معالمها، ونتائجها في شكل اختلالات في البنية السكانية، وسوق العمل، والقيم الثقافية والاجتماعية كما إنها دفعت بالكثير من التحديات التي تناولتها الدراسة والتي من أهمها:
اختلال التوازن بين عرض القوى العاملة والطلب عليها و إشكالية توفر عمالة ملائمة للاقتصاديات الجديدة المرتبطة بالمعلومات والاتصالات، خاصة في ظل سيطرة الشركات الكبرى متعددة الجنسيات والتي أوجدت أنماط جديدة من الهجرة كما خلقت تنافسا قويا في سوق العمل بسبب قضية العمالة الماهرة والتي تتمتع باستخدام التقنية العالية، مما أبرز قضية أخرى تعتبر بمثابة تحدي آخر وهي عدم ملائمة المخرجات التعليمية للعمالة بشكل عام والعمالة المواطنة بشكل خاص.
وأهم تحدي يواجه سوق العمل في دول المجلس هو ظهور مشكلة البطالة بين مواطني دول المجلس. وتبدو هذه المشكلة غير مقبولة في ضوء الحجم المتواضع لقوة العمل المواطنة في دول المجلس، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية التي تحدثها عملية التحويلات للعمالة الوافدة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر على حجم الاستثمار في دول المجلس وكذلك على تأثيرها السلبي على اقتصاديات دول المجلس وميزان المدفوعات ،وفي الوقت الحاضر يعتبر التحدي الأكثر جدية هو مواجهة ما يقر على مستوى العالم كحقوق المهاجرين في إطار حقوق الإنسان وما يترتب على ذلك من سياسات وقوانين ونظم قد تكون عرضة للتعديل من أجل درء مخاطر ما قد تنطوي عليه إشكالية المهاجرين وحقوق الإنسان.
ومن منطلق هذه الخلفية للهجرة وأنماطها وتياراتها في دول المجلس والإشكاليات التي طرحتها والفرص التي أوجدتها كان لابد من تقييم لسياسات الهجرة في هذه الدول واليمن. ولذا فقد تناولت الدراسة هذه الإشكاليات والتحديات في إطار علاقة الهجرة بالسكان وقوة العمل والتنمية بشكل عام.
كما تطرقت إلى عرض لسياسات الهجرة وأنظمة وقوانين استخدام العمالة في اليمن ودول المجلس. كما أشارت إلى جهود دول المجلس مجتمعة في إحداث بعض التعديلات على هذه السياسات من خلال استصدار بعض الأنظمة والتشريعات. وخاصة تلك المتعلقة بسياسات دول المجلس في مجال إحلال العمالة الخليجية المواطنة في وظائف القطاع العام والقطاع الخاص وإعطاء الأولوية لتشغيل العمالة اليمنية.
كما أبرزت الدراسة الهدف الذي تسعى من أجله دول المجلس من خلال هذه السياسات والذي يتبلور فيما يلي: ١) ضبط تدفق الهجرة الوافدة، ٢) تقنين استخدام العمالة الوافدة، ٣) إيجاد نوع من التوازن بين العرض والطلب في سوق العمل في دول المجلس.
كما عملت الدراسة على تقييم هذه السياسات في ظل رؤية نقدية هادفة لتوضيح الإيجابيات والسلبيات، الحلول والتحديات ويمكن القول أن الدراسة خلصت إلى أن سياسة الهجرة والعمالة في البلدان الخليجية قد مرت بتغيرات أساسية منذ أواخر السبعينيات وحتى الآن، مما يؤكد أن هذه السياسات كان يشوبها القصور في بعض جوانبها خاصة المتعلقة باستخدام العمالة، دوران العمالة وقضية الإنتاجية والمهارة.
وهذا ما يؤكد إن هذه السياسات نحتاج إلى عدد من التغيرات والتعديلات لتكون ملائمة لأوضاع الهجرة ومتطلباتها في الألفية الثالثة ،كما يجب أن يتم ربطها بالسياسات السكانية في كل دولة من دول المجلس وينبغي أن ينظر إليها ضمن منظومة تنموية شاملة، تهتم ببناء الموارد البشرية الخليجية واليمنية لأنها الركيزة الأساسية في حل مشكلة العمالة الوافدة.
وتخلص الدراسة في النهاية إلى عدد من النتائج الأساسية كما تضع عدد من التوصيات من الممكن الاستعانة بها لبلورة رؤية إستراتيجية شاملة وشأنها التعامل مع قضية الهجرة الوافدة وإشكالياتها في دول المجلس.




















أولاً: ظاهرة الهجرة اليمنية - أول الهجرات في التاريخ الإنساني

في العصور القديمة كان الإنسان اليمني أول من عرف الهجرة والتهجير لأسباب مختلفة كان أهمها لأسباب دينية وغضب الهي كما حدث لقوم سبأ اليمنيين من الكوارث الطبيعية والبيئية سبباً لهجرة جماعية لليمنيين من أرضهم المصابة بسيل العرم إلى ارض الله الآمنة المواتية لاستيطان جديد للجماعة في مختلف بلاد العالم .

ففي التاريخ الإنساني القديم تشير أقوى السير والمصادر التاريخية إلى ارتباط ظاهرة الهجرة التاريخية بحياة وتاريخ اليمنيين ،وهى قصة هجرة قوم سبأ اليمنيين من بلادهم اليمن والتي كانت تعرف حينها بأرض الجنتين وعاصمتها مدينة "مأرب" بعد تهدم سد مأرب كما وردت في القصة المشهورة في القران الكريم في سورة سبأ حيث قال الله تعالى عنهم [ في سورة سبأ: ]: ((لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور.فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل.ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور.وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين.فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور)) والمقصود من الآية الكريمة أن قوم سبأ اليمنيين كفروا بعد إيمانهم بالله ، فلما عدلوا عن الهدى إلى الضلال وسجدوا للشمس من دون الله وكان ذلك في زمان بلقيس وقبلها أيضا واستمر ذلك فيهم حتى أرسل الله عليهم سيل العرم كما قال تعالى: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل.ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور).
وعن هذه القصة يروي الإمام ابن كثير في كتابه البداية والنهاية قوله :ذكر غير واحد من علماء السلف والخلف من المفسرين وغيرهم فلما عبدوا غير الله وبطروا نعمته وسألوا بعد تقارب ما بين قراهم وطيب ما بينها من البساتين وأمن الطرقات سألوا أن يباعد بين أسفارهم وأن يكون سفرهم في مشاق وتعب وطلبوا أن يبدلوا بالخير شرا كما سأل بنو إسرائيل بدل المن والسلوى البقول والقثاء والفوم والعدس والبصل فسلبوا تلك النعمة العظيمة والحسنة العميمة بتخريب البلاد والشنات على وجوه العباد كما قال تعالى: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم).
وقال تعالى: (فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق) وذلك أنهم لما هلكت أموالهم وخربت بلادهم احتاجوا أن يرتحلوا منها وينتقلوا عنها فتفرقوا وهاجروا في غور البلاد ونجدها أيدي سبأ شذر مذر ،فنزلت طوائف منهم الحجاز ومنهم خزاعة نزلوا ظاهر مكة وكان من أمرهم ما سنذكره ومنهم المدينة المنورة اليوم فكانوا أول من سكنها.
ولقد قيل في المثل العربي القديم المشهور"تفرقوا أيدي سبأ" كدليل على هجرة اليمنيين وتفرقهم خارج بلدهم منذ القدم ،وكانت مملكة سبأ اليمنية من أقدم الحضارات القديمة نتيجة لاستيطان أصحابها على شريط مائي مواتي بيئياً للاستيطان مما سمح بالاستقرار مع ضمان الخصوبة ونمو الجماعة وتشكل ثقافة ومعالم حضارية.
ولعبت الكوارث الطبيعية والحروب والغزوات في العصور القديمة دوراً في إيجاد ظاهرة عرفت حديثاً باسم التهجير القسري الذي دفع – في بعض الأحوال – جماعات وأقوام كاملة لترك مكانها والنزوح بعيداً ،كما حصل لقوم سبأ اليمنيين بعد تهدم سد مأرب وهجرتهم من اليمن وتفرقهم في الجزيرة العربية ومصر وأفريقيا .
إن تاريخ الحضارة اليمنية التليدة هو التاريخ الوحيد الذي خلده الله في القران الكريم ،حيث قال فيه الله تعالى: (وجئتك من سبأ بنبأ يقين، إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم).
" وقال تعالى "أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم"
و"قال تعالي :[ لقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ] (سبأ : 15).
وإن دلالات تخليد الله عزوجل لتاريخ دولة سبأ في القرآن الكريم كثيرة وواضحة , وأولها إن تاريخ مملكة سبأ اليمنية لم يكن تاريخ دولة عادية، أو مملكة حكمت في زمن من الأزمان ومر ذكرها مرور الكرام شأنها شان كثير من الممالك والدول الأخرى. ودليل ذلك ورود ذكرها في القرآن الكريم اصدق الكتب والحجة القاطعة لكل لسان . فقد خلد القرآن الكريم تاريخ مملكة سبأ، بسورة كاملة في القران اسماها سورة (سبأ) ,ووصف قوة المملكة وتوسع نفوذها وعظمة ملوكها ,وحضارتها وباس أهلها اليمنيين الحميريين العظماء الذين ملكوا مشارق الأرض ومغاربها , ويكفينا شرفاً أن الله عز وجل هو الذي خلد لنا تاريخ وذكرى مملكة سبا اليمنية واختصها بسورة كاملة باسمها في كتابٍ منزلٍ من لدن حكيم عليم، وهو كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، ولم و لن يعتريه أي تحريف أو تبديل على مر الزمان، لأن رب العزة –جل و علا- تكفل بحفظه وصونه “إنا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون". فذكر وتخليد دولة سبا في آخر الكتب السماوية و أعظمها و أخلدها هو تقدير وتكريم الهي نادر المثيل لتاريخ هذه المملكة العظيمة وملوكها التبابعة اليمنيين الحكماء ,ولقوة أهلها وأصالتهم في كل زمان و مكان.
ولا يتشابه الماضي مع الحاضر إلا في جوانب محدودة، فلم تكن العصور القديمة تعرف هجرة العاملين أو الهجرة بقصد العمل ،ولم تكن قوافل التجارة تستوطن في البلد المضيف بل تبيع وتشترى لتعود إلى موطنها للبيع مرة أخرى .











ثانياً: ظاهرة الهجرة
(التعريف والحجم ــ الدوافع والأسباب)

أولا: تعريف ظاهرة الهجرة
تعرف الهجرة في علم السكان (الديموغرافيا) بأنها الانتقال - فرديا كان أم جماعيا- من موقع إلى آخر بحثا عن وضع أفضل اجتماعيا أم اقتصاديا أم دينيا أم سياسيا. أما في علم الاجتماع فتدل على تبدل الحالة الاجتماعية كتغيير الحرفة أو الطبقة الاجتماعية وغيرها.
والهجرة في تحدديها اللغوي،هي أن يترك شخص أو جماعة من الناس مكان إقامتهم لينتقلوا للعيش في مكان آخر ، وذلك مع نيّة البقاء في المكان الجديد لفترة طويلة ، أطول من كونها زيارة أو سفر. و من أهم أنواعها ظاهرة الهجرة القروية التي تمزق النسيج الأسري للكثير من المجتمعات العربية والعالم الثالث،ويمكن تصنيفها إلى :

هجرة اختيارية: تتم بالمبادرة الفردية عادة و الرغبة في الانتقال على وطن جديد من أجل الأفضل.
هجرة إجبارية (أي التهجير): تتم بواسطة قوة خارجية تفرض على غير إرادة الأفراد أو الجماعات كما تم تهجير 700 ألف فلسطيني مثلاً بعد حرب 1948 خارج فلسطين.
كما يمكن تصنيفها إلى :
هجرة دائمة: يهاجر الفرد أو الجماعات على الوطن الجديد دون عودة و هي الهجرة الأكثر خطورة.يمكن تضم تحتها(الهجرة السرية/غير الشرعية)
هجرة مؤقتة: حيث يهاجر الفرد أو الجماعة إلى وطن جديد بشكل مؤقت بغية التحصيل العلمي أو تحسين الوضع المعيش أو لأسباب سياسية و لكن يعود إلى وطنه الأصلي في نهاية المطاف،وتدخل ضمنها ما يعرف بـ"هجرة الكفاءات/الأدمغة".
وأيضا يمكن أن تصنف إلى:
هجرة داخلية: هي هجرة سكان من منطقة معينة من مكان إلى آخر في نفس المنطقة
الهجرة الخارجية: الهجرة إلى دول أخرى.
وتعد الهجرة السرية أو غير القانونية أو غير الشرعية أو غير النظامية ظاهرة عالمية موجودة في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أو في الدول النامية بآسيا كدول الجزيرة والخليج العربي، وفي أمريكا اللاتينية حيث أصبحت بعض الدول كالأرجنتين وفنزويلا والمكسيك تشكل قبلة لمهاجرين قادمين من دول مجاورة، وفي أفريقيا حيث الحدود الموروثة عن الاستعمار لا تشكل بالنسبة للقبائل المجاورة حواجز عازلة وخاصة في بعض الدول مثل ساحل العاج وأفريقيا الجنوبية ونيجيريا.
ويصعب تحديد حجم الهجرة غير المنظمة نظراً لطبيعتها، ولكون وضع المهاجر السري يشمل أصنافا متباينة من المهاجرين فمنهم:
1ـ الأشخاص الذين يدخلون بطريقة غير قانونية دول الاستقبال ولا يسوون وضعهم القانوني.
2ـ الأشخاص الذين يدخلون دول الاستقبال بطريقة قانونية ويمكثون هناك بعد انقضاء مدة الإقامة القانونية.
3ـ الأشخاص الذين يشتغلون بطريقة غير قانونية خلال إقامة مسموح بها.
وتتضارب التقديرات بشأن الهجرة غير المنظمة، فمنظمة العمل الدولية تقدر حجم الهجرة السرية ما بين 10- 15% من عدد المهاجرين في العالم البالغ حسب التقديرات الأخيرة للأمم المتحدة حوالي 180 مليون شخص.
وحسب منظمة الهجرة الدولية فإن حجم الهجرة غير القانونية في دول الاتحاد الأوروبي يصل لنحو 1.5 مليون شخص.
وتقدر الأمم المتحدة أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلى دول العالم المتقدم خلال السنوات العشر الأخيرة بنحو 155 مليون شخص.
هذا وتوقعت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير أصدرته مؤخراً ازدياد الهجرة غير المنظمة جراء الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم الآن والتي لا يمكن تقدير حجم هذه الزيادة نظراً لطبيعتها، لكنها أكدت أن حوالي 15% من المهاجرين في العالم غير نظامين.
ويعتقد العديد من المراقبين للهجرة الدولية أن أعداد المهاجرين غير النظاميين في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) يصل إلى العشرين مليون عامل، ومعظم هؤلاء العمال دخلوا إلى تلك الدول في العشر سنوات الأخيرة، مشيرين إلى أن العمال غير الموثقين أو الذين لا يعملون في إطار منظم عادة ما يعملون في ظروف عمل أكثر سوءاً من غيرهم من العمال وهناك عدد كبير من أصحاب الأعمال يفضلون تشغيل هذا النوع من العمال من أجل التربح من المنافسة غير العادلة.
وفى أسوأ الظروف فإن العمال المهاجرين غير النظاميين يعملون بشكل أشبه بالعمل العبودي وهم نادراً ما يلجأون للقضاء خشية التعرض للطرد أو الإبعاد، وفى العديد من الدول لا يملكون حق الطعن على القرارات الإدارية التي تؤثر عليهم.


*دوافع وأسباب الهجرة
من الملاحظ أنه يوجد ارتباط وثيق سوف تظهر آثاره تباعا في الأيام القادمة بين الأزمة المالية العالمية وقضية ازدياد الهجرة الدولية سواء كانت نظامية أو غير نظامية.‏ فالأزمة سوف تدفع بالملايين من الشباب إلي قوائم العاطلين ليزداد العدد العالمي لهم خاصة من الدول النامية، ولا شك أن هؤلاء سوف يبحثون عن أي مخرج لهم، ومن ثم تأتي الهجرة كأحد الحلول أمام اليائسين الذين يبحثون عن فرصة عمل في أي مكان وبأي ثمن يدفعونه حتى ولو كلفهم الأمر حياتهم‏.‏
إذن سوف يشهد ملف الهجرة الدولية تطورات مثيرة في الفترة المقبلة الأمر الذي دعا منتدي شركاء التنمية لعقد جلسة نقاش حول هذا الموضوع الهام تحدث فيه عدد من الخبراء بقضايا الهجرة والتشغيل، حيث قدروا حجم الهجرة الدولية بنحو‏200‏ مليون شخص نصفهم مهاجرون من أجل العمل، فيما يشكل الباحثون عن اللجوء السياسي‏7%‏، والنسبة المتبقية تشمل عائلات المهاجرين،‏ وبالنسبة لاتجاهات الهجرة نجد أن‏33%‏ من إجمالي المهاجرين الدوليين ينتقلون من بلدان الجنوب إلي بلدان الشمال و‏32%‏ ينتقلون من بلدان الجنوب إلي بلدان الجنوب‏.‏
عوامل الطرد والجذب
توجد عدة عوامل أساسية تسمى عوامل الطرد والجذب تقف وراء ظاهرة الهجرة الدولية بشكل كبير، حيث تشمل عوامل الطرد البطالة والتشغيل المنقوص والفقر في البلدان المرسلة وكذلك نمو السكان وما يرافقه من نمو القوة العاملة.
‏ أما عوامل الجذب ـ خاصة في بلدان الخليج الغنية بالنفط ـ فتشمل زيادة الطلب علي العمل في بعض القطاعات والمهن، فأسواق العمل تستورد مهاجرين في ظل عدم قدرة العرض فيها علي تلبية الطلب علي نوعية معينة من العمال، وكذلك ارتفاع مطرد في معدل الأعمار مما يؤدي لانكماش قوة العمل وزيادة أعداد الخارجين من سوق العمل‏.‏
ومن عوامل الجذب أيضا صغر حجم قوة العمل فبعض البلدان تضطر لاستقبال عمالة أجنبية لتعويض نقص العرض نتيجة صغر حجم السكان بالمقارنة بالموارد المتاحة وهذا حال دول الخليج بالتحديد‏.‏ وكذلك عدم رغبة المواطنين في الاشتغال بمهن معينة وهي مهن إما قذرة أو خطرة فيتم استقبال عمال يقبلون الانخراط فيها‏.‏
وهناك عوامل أخري مساندة لاتساع نطاق ظاهرة الهجرة تشمل تطور الاتصالات والمواصلات التي أصبحت أكثر يسرا، فمن خلال الاتصالات الحديثة يستطيع المقيمون في الدول الفقيرة معرفة مستويات المعيشة في الدول المتقدمة‏.‏ أما وسائل المواصلات والتي أصبحت أرخص وأسهل فهي تساعد الأفراد علي الهجرة من سوق إلي سوق، كذلك هناك عامل القرب الجغرافي الذي يفسر ـ مثلا ـ هجرة اليمنيين الى دول الخليج العربية ،وهجرة المكسيكيين إلي أمريكا والاندونيسيين إلي ماليزيا‏.‏
ويمكن القول أن السبب الرئيسي للهجرة من الدول النامية وخاصة من جنوب الجزيرة والقرن الأفريقي وبالذات من اليمن سواء بشكل نظامي أو غير نظامي يكمن في تردي الظروف الاقتصادية . فكما ورد في مؤتمر لندن لشركاء اليمن الذي انعقد في لندن في نهاية يناير عام 2010 م فإن الأسباب الاقتصادية تقف بشكل عام خلف التحديات التي تواجهها اليمن ومنها تحدي الهجرة.
وفي ضوء توقيع اتفاقيات الشراكة اليمنية الخليجية وسياسات الجوار، فمن الضروري تعميق الحوار والتشاور بين اليمن كدولة مصدرة للعمالة والبلدان الخليجية المستقبلة لها حول أسباب ودوافع الهجرة وليس فقط من باب القضاء على تيارات الهجرة غير المنظمة، وإنما وفق رؤية شمولية واضحة المعالم تساعد في اتخاذ إجراءات تنموية حقيقية تفتح المجال لشراكة حقيقية تأخذ بعين الاعتبار وحدة الجغرافيا والتاريخ المشترك وتشابك المصالح وتبادل المنافع بشكل متوازن بين الطرفين اليمني والخليجي، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى عدة حقائق، أهمها:
1ـ تمثل الهجرة اليمنية إلى الدول الخليجية من أجل العمل عنصراً هاماً من عناصر التخفيف من حدة البطالة ومكافحة ظاهرة الفقر والتنمية ليس على مستوى اليمن فحسب وإنما منطقة الخليج العربية.
2ـ تمثل الهجرة ظاهرة صحية ومصدراً للإثراء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لمختلف الأطراف، الأمر الذي يتطلب من جانب الحكومة اليمنية إدارة جيدة تقوم على تناول الظاهرة من خلال منهج شامل متكامل يعالج كافة أبعادها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية ومن خلال التصدي لجذورها، بحيث لا يكون التركيز على بعد واحد وهو البعد الأمني، على حساب الأبعاد الأخرى.
3ـ أهمية وجود سياسات وطنية وإقليمية متجانسة ومتناسقة تأتى نتاجاً لتنسيق كامل بين كافة وزارات وأجهزة الدولة المعنية بموضوع الهجرة ، بما يمثل حافزاً لبلورة الرؤية الشاملة لسياسات الهجرة. وفى هذا السياق تأتى أهمية التركيز على قضايا بناء القدرات المؤسسية لتلك الوزارات والأجهزة الوطنية وتنمية مواردها البشرية.
4ـ تشكل قضية تأهيل العمالة اليمنية أهمية خاصة لخدمة أهداف التنمية، وكذلك لجعلها تتوافق مع احتياجات أسواق العمل الخارجية عامة والخليجية خاصة، ومن الأهمية أن يتعاون مجلس التعاون الخليجي والإتحاد الأوروبي مع اليمن في تحقيق هذا الهدف، بما يحقق مصلحة مشتركة لجميع الأطراف .
5ـ تعد قضية التحويلات أحد أهم الأبعاد التنموية للاغتراب والهجرة، حيث تسهم في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لما تمثله من مورد هام للنقد الأجنبي، فإنه من المفيد دراسة أفضل السبل لتعظيم الاستفادة من هذه التحويلات بل وزيادتها واستثمارها في المشروعات الإنمائية وعدم قصرها على الخدمات المباشرة.
6ـ أهمية البعد الثقافي للهجرة اليمنية إلى دول الخليج ،وإسهامها في الحفاظ على الهوية العربية للمنطقة وتعزيز التفاهم والاحترام المتبادل بين شعوبها، الأمر الذي يتطلب تكثيف الحوار بين الجانبيين، ومحاربة التمييز والعنصرية وحماية حقوق المهاجرين وكرامتهم، ومن ثم أهمية وتوظيف الأدوات الإعلامية في تغيير المفاهيم والصور الخاطئة عن المهاجر.
الخلاصة
مما لا شك فيه أن أسباب الهجرة الجماعية المنظمة أو غير المنظمة وزيادة أعداد الشباب اليمنيين التي تقبل عليها ترجع إلى أسباب عديدة أهمها: الفقر والبطالة وتناقص فرص العمل فيها، وزيادة حدة الفوارق بين الفقراء وبين الأغنياء، كما أن ازدياد الوعي بهذه الفوارق، مع إتاحة وسهولة السفر أمام الجميع بسبب القرب الجغرافي والتقدم الذي حدث في الاتصالات الدولية ووسائل السفر، في الوقت الذي تقلصت فيه منافذ الهجرة المنظمة، كل ذلك ساهم بلا أدنى شك في اندفاع مزيد من الشباب اليمني سعيا وراء تحقيق حياه أفضل عبر طرق ووسائل مختلفة لتحقيق ذلك، وهذا ما أكدته العديد من التقارير الدولية للأمم المتحدة في الآونة الأخيرة.

*مراحل ظاهرة هجرة العمالة اليمنية إلى الخارج
شكلت العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي مرحلة حاسمة في رسم معالم جديدة للهجرة اليمنية إلى الخارج وخاصة إلى دول الخليج العربية، حيث تميزت بتسجيل تدفق واسع لأنواع الهجرة من اليمن، وهو ما يمكن تقسيمه إلى ثلاث محطات زمنية مترابطة ومتداخلة وهي:
المرحلة الأولى (قبل 1990):
خلال هده المرحلة كانت الدول الخليجية لا تزال بحاجة ماسة إلى مزيد من العمالة اليدوية القادمة من اليمن، كما أن الدول الخليجية نفسها كانت متحكمة في حركة تدفق المهاجرين من اليمن عبر قنوات مساواة المغترب اليمني بالمواطن الخليجي في الحقوق والواجبات وكانت هذه الفترة هي الفترة الذهبية لتاريخ الهجرة اليمنية إلى الخليج .
المرحلة الثانية (1990-2005):
وتميزت هذه المرحلة بأنها أسوأ مراحل تاريخ الهجرة اليمنية ،حيث حدث فيها عودة مفاجئة لمايقارب مليوني مغترب يمني في دول الخليج العربي إلى بلادهم بعد حرب الخليج واحتلال العراق لدولة الكويت وتداعيات هذه العودة المفاجئة على الاقتصاد اليمني البسيط ،وظهور التناقضات المرتبطة بالمهاجرين النظاميين وتشديد الإجراءات ضدهم لمزاحمتهم أبناء البلد الأصليين، وقد تزامن هذا الفعل مع انفجار سكاني يمني غير مسبوق مع شحة في الإمكانيات التنموية للدولة اليمنية،تزامن مع خصخصة الحكومة اليمنية لأغلب المنشئات والمصانع الحكومية التي كانت تستوعب آنذاك أكبر عدد من المهاجرين النظاميين. وفي مقابل هذا الوضع الاحترازي تزايدت التحديات الأمنية والحروب في اليمن ومعها تزايدت رغبة أبناء اليمن في الهجرة تجاه دول الخليج ودول أوروبا وخاصة في ظل انتهاء مرحلة الرواج النفطي الهائل وبروز مرحلة الانكماش الاقتصادي المتمثل في انخفاض مستويات الدخل القومي في الدول النفطية، ومن ثم تناقص الطلب على العمالة الأجنبية في دول الخليج، ولكن ظلت معدلات عرض العمالة على ما هو عليه، لذا كان من الطبيعي أن تتجه هذه الزيادة إلى الهجرة بالدول الخليجية بشراسة.
المرحلة الثالثة (2005- إلى الآن):
أخذت هذه المرحلة طابعا انفراجيا وتعاونيا لكنه أمنيا صارما ،لجأت من خلاله الدول الخليجية إلى التعاون مع اليمن ومساعدته لاعتبارات إقليمية عديدة ومتغيرات دولية كثيرة أملتها ظروف المرحلة، لكن مايعيب هذا التعاون الخليجي اليمني انه يتم من خلال انتهاج سياسة شراكة بنظرة أمنية صارمة عبر تنفيذ قرارات أمنية تستند إلى تبني إجراءات صارمة ،لكنها غير مجدية حيث لم تستفيد منها العمالة اليمنية المهاجرة في الخليج وبالذات إلغاء مسألة الكفالة على المغتربين اليمنيين .
وكرد فعل تجاه هذه السياسة بدأ ازدياد نشاط ما يعرف الآن بالهجرة غير المنظمة إلى دول الخليج العربية ،والتي تحيل إلى عملية التهرب بدون وجه قانوني.

* أسباب ودوافع هجرة اليمنيين إلى الخارج
تكمن دوافع هجرة اليمنيين الشرعية وغير الشرعية إلى الخارج ،في حزمة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية ، إضافة إلى تغير في منظومة القيم الثقافية والاجتماعية بشكل سمح بتفشي الظاهرة، وربما تكون مرشحة للزيادة خلال الفترة القادمة، وذلك في ضوء ازدياد عوامل الدفع لهجرة اليمنيين سواء فيما يتعلق بكون هذه العوامل محلية الصنع أو إقليمية وحتى دولية.
وتتضافر عدة عوامل تجعل الهجرة لليمنيين بمثابة ظاهرة، ولعل أهمها:
ـ إرتفاع مستويات الفقر وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
ـ تفشي ظاهرة البطالة، والمتمثلة في عدم توافر فرص عمل، فقد زادت نسبة البطالة خلال الأعوام الماضية، حيث وصلت إلى 30% عام 2007 ، وفي عام 2008 زادت النسبة إلى 35.7% ، وزادت عام 2009 إلى أكثر من 40%.
ـ ازدادت هجرة الريفيين أيضا بسبب الانفجار السكاني وتآكل الرقعة الزراعية والتوسع العمراني خلال العقود الثلاثة الماضية، كما أدى ذلك لارتفاع أسعار الأراضي الزراعية والإيجارات والتي وصلت إلى أكثر من خمسة أضعاف مما كانت عليه قبل أزمة حرب الخليج ، بالإضافة إلى تفاقم مشكلات شحة المياه والري والتي ساهمت بشكل كبير في هجر المزارعين وأسرهم لعملية الزراعة.
ـ كما يعد من الأسباب الهامة والرئيسية لزيادة الهجرة دافع الغيرة والمحاكاة عند الشباب والأسر من التفاوت الطبقي بين الشباب العائد من الهجرة بعد تجربة ناجحة، وعاد محملاً بالعملات الأجنبية وأخذ يشيد أفخم القصور والمنازل ويقتنى أحدث وأغلى الموبايلات والسيارات، مما أدى لمزيد من التطلع للهجرة حتى لو كانت هناك مخاطرة.
ـ فشل جهات التعليم المهني في تخريج شباب مدرب على العمل، وساهم هذا أيضا في اتجاه رجال الأعمال والمستثمرين والقطاع الخاص إلى استيراد عمالة أجنبية مدربة من الخارج رغم زيادة البطالة في اليمن خاصة في قطاع النفط والخدمات العامة.
ـ من جهة أخرى أدت سياسات تحرير الأسواق إلى اعتماد الاقتصاد اليمني على بعض السلع المستوردة لرخص سعرها في الأسواق العالمية وبالتالي تدهورت أوضاع بعض الزراعات الإستراتيجية والتي كان من خلالها يتم تشغيل الآلاف من العمال.
ـ عدم مواكبة صغار المزارعين لتطورات السوق الحرة في ظل اتجاه الحكومة إلى الانفتاح الاقتصادي دون تقديم الدعم الملائم لصغار المزارعين والصناع والحرفيين خاصة في مجال التسويق والإرشاد الزراعي، بالإضافة إلى ضعف التعاونيات وغيابها في القيام بدورها في تنمية أوضاع المزارعين.
- عدم استقرار الأوضاع الأمنية الداخلية في اليمن طوال العقود الماضية،بمعنى حدوث حروب ونزاعات أهلية داخلية في اليمن في الفترات الماضية ،وبالطبع هروب الناس وهجرتهم للخارج خوفا على حياتهم .
الخلاصة: إن الناس في اليمن لا يحبون أن يتركوا أرضهم أو منازلهم ،فالاستقرار هو الأساس عندهم ولعل ما يدفع شبابنا وعلى الأخص في الريف إلى الهجرة غير المنظمة، ليس فقط بسبب الفقر المدقع، حيث توجد طبقات عليا شبابها يقوم بذلك الفعل مستهدفاً تغيير نمط حياته، وهو ما أطلق عليه الفقر النسبي.
ويمكننا القول إن استمرار الحكومة في سياسة الاعتماد على القطاع الخاص فقط لتوفير فرص عمل للشباب يؤدي إلى تفاقم كارثة البطالة التي تدفع الشباب إلى الانتحار الجماعي في الهجرة غير الشرعية إلى دول الخليج وأوروبا.
والغريب في الأمر أنه على الرغم من تفاقم ظاهرة الهجرة غير المنظمة في اليمن ورغم الأعداد الكبيرة التي لقيت حتفها من الشباب اليمني، إلا أن الأجهزة الحكومية لم تستطع إلى الآن توفير المعلومات الدقيقة والكافية اللازمة لوضع إستراتيجية تساهم بشكل فاعل في حل أو الحد من هذه الظاهرة حماية لمواردنا البشرية من الإهدار والاستنزاف وصوناً لكرامة شبابنا ووطننا.
وفي دراسة ميدانية حديثة لرابطة المعونة لحقوق الإنسان والهجرة عن دوافع الإقبال على هجرة اليمنيين إلى دول الخليج لعام 2009م ،حيث أكدت الدراسة بأنه إنتشرت في الآونة الأخيرة في المجتمع اليمني كباقي مجتمعات دول العالم ظاهرة اجتماعية خطيرة وهي ظاهرة الهجرة غير الشرعية وتهريب الأطفال والنساء عبر الحدود أو ما يعرف عنها بظاهرة (تهريب المجهولين)، باللغة العامية ، وهذه الظاهرة التي استطاعت إشعار كل مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني اليمني، وأصبحت مشكلة حية وحساسة.
مشكلة حية من خلال الأحداث المأساوية التي تتوالى بشأنها سواء في الصحف أو الأخبار التلفزيونية من حين لآخر. وهي مشكلة حساسة لكونها تمس جميع شرائح المجتمع اليمني بحيث أصبحت الظاهرة لا تمس فئة الشباب وخاصة الذكور، بل تعدت إلى فئة الإناث والأطفال القصر وأصبح مصطلح (المجهول) متداولا حتى في الأغاني الشعبية للتعبير عن الظاهرة.

وتتميز ظاهرة الهجرة غير الشرعية بامتدادها على طول أيام السنة أي إنها مستمرة في الزمن ومنتشرة في المكان، فبعدما كانت منتشرة بكثرة في شمال البلاد، امتدت بصورة فائقة إلى وسط وشرق البلاد ،حيث تم توقيف وترحيل 5130 مهاجرا غير شرعي بمناطق السعودية اغلبهم من أبناء محافظات البيضاء واب وتعز سنة 2009.

ومهما حاولنا فلا يمكن أن نذكر تاريخا محددا لظهور–الهجرة غير الشرعية– ولكن نستطيع القول إن وقت ظهورها كان مباشرة بعد حرب الخليج الثانية عام 1990م وغزو العراق للكويت وعودة أكثر من 4مليون مغترب يمني كانوا مهاجرين في دول الخليج العربية ،بعد تشديد إجراءات معاملتهم في دول الخليج وبالذات السعودية والكويت حينها ،حيث تم إغلاق الحدود السعودية التي تعتبر بوابة اليمن مع دول مجلس التعاون الخليجي، ولعل اليمن هو أول من شهد هذه الظاهرة نتيجة غلق حدوده مع السعودية وسلطنة عمان خاصة مدينتي حرض والبقع.

ونظرا لتعقيد هذه الظاهرة وانتشارها الواسع في اليمن وما تثيره من قضايا، فهي تستلزم الدراسة والتحليل العلمي والموضوعي مثل مشكلة التكيف الاجتماعي للمهاجرين اليمنيين غير الشرعيين في دول الخليج والذين يعرفون ب"المجهولين" وكذلك التغير في الظروف الاقتصادية والقيم وصلة العلاقات الاجتماعية، وعيوب ومزايا ازدياد ظاهرة "المهاجرين المجهولين "على الوطن والمجتمع وعلى دول الجوار الخليجية.

وركزت الدراسة على أسباب ودوافع الإقبال على الظاهرة آخذا بعين الاعتبار جميع العوامل الّتي لها صلة بالموضوع ،وسننطلق من مدينة حرض محافظة حجه باعتبارها آخر مدينة يمنية تقع على الحدود مع السعودية ،كونها أصبحت محطة انطلاق وتجمع لهؤلاء "المهاجرين المجهولين "نحو دول الخليج وبالذات السعودية كمهنة محترفة،كما إنها تشهد إقبالا متزايدا على الهجرة وتقيم فيها عصابات إجرامية لتهريب الأطفال والنساء اليمنيين عبر الحدود .
وركزت الدراسة على جمع أقوال المسؤولين من سلطات أمنية وأساتذة ومنظمات مدنية ووسائل إعلامية وتلفزيونية يمنية وخليجية ، وكل السلوكيات الملاحظة في الدراسة الميدانية بهدف وضع إستراتيجية إقليمية لتنظيم ظاهرة الهجرة غير الشرعية وتهريب الأطفال والنساء عبر الحدود وتقصي كل حقائق الظاهرة.

إن لهذه الظاهرة التي حيرت الدول الدافعة من جهة والدول الجاذبة من جهة أخرى عدة أسباب وعوامل، تفاعلت فيما بينها لتكون المحرك الأساسي لها، حيث يبقى الإقبال عليها قرارا شخصيا يعود إلى التصورات التي يحملها "المهاجرون المجهولون" في أذهانهم، ولعوامل الدفع في منطقة الأصل وعوامل الجذب في منطقة الوصول، وأهم الأسباب هي :

الأسباب الاقتصادية
حيث يعتبر الكثير من الباحثين أن السبب الرئيسي للهجرة الشرعية وغير الشرعية يكمن في انتشار الفقر وازدياد البطالة وقلة الموارد وغياب التوازن الاقتصادي على المستوى الدولي، والذي يساهم في توسيع الهوة بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة أو التي تسمى سائرة في طريق النمو كاليمن. وبالتالي تصبح المناطق الغنية من العالم كدول الخليج العربية أقطابا هامة ووجهات مفضلة لجلب الأعداد الهائلة من المهاجرين اليمنيين المجهولين الراغبين في الاستفادة من الرفاهية والتطور.
كما تمارس شبكات التهريب والهجرة دورا هاما في انتشار الظاهرة، وهي شبكات متعددة الجنسيات تستغل الظروف الصعبة التي يعيشها الأفراد وعائلات الأطفال والنساء ضحايا التهريب، وتجمع من ورائهم مبالغ مالية طائلة بعد إغرائهم في ترحيلهم إلى دول الخليج العربي.

سياسات الهجرة الخليجية المعتمدة
في سبيل وضع منهج واضح ينظم حركة المهاجرين أصدرت بعض الأقطار سياسة خاصة بذلك، بغرض تشديد قوانين الهجرة إليها ،ووضع عوائق أمام الذين يريدون الهجرة بصورة شرعية، ولعل مضمون السياسة الخليجية عموما "والسعودية خصوصا" للهجرة هو أبرز مثال لتباين هذه العوائق، حيث تهدف السياسة الخليجية للهجرة إلى تحقيق ثلاث أهداف رئيسية وهي :
• تنظيم حركات دخول وخروج وإقامة المهاجرين حسب الحاجة للهجرة
• التعاون في مجال محاربة الهجرة السرية والإقامة غير الشرعية لرعايا الدول غير الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.

الأسباب النفسية والاجتماعية
الأسباب النفسية والاجتماعية لها دور هام في تحفيز الفرد على الإقدام على الهجرة السرية والتمسك بها انطلاقا من الوسط الذي يعيش فيه، حيث تتكون لديه رغبات وطموحات يحاول تحقيقها في دول الاستقبال بعد إقباله على هذه الظاهرة، ومن هذه الأسباب نجد:

محاكاة صورة النجاح المادي والاجتماعي
تؤثر عودة المهاجرين لقضاء العطلة في أوطانهم ومع إبراز مظاهر الغنى والعيش في رفاهية من أموال كثيرة وسيارات وقيام البعض منهم باستثمارات في مختلف المجالات بصورة كبيرة في الأفراد الراغبين في الهجرة الذين يعانون من مشاكل اجتماعية كالفقر والبطالة وعدم تلبية كل طموحاتهم ،فهم ينظرون إليهم بأنهم حقيقة حققوا أحلامهم وطموحاتهم وهذا ما يغذي فيهم فكرة "المحاكاة" والهجرة حتى وإن كانت بطرق غير مشروعة.

أسباب نفسية وذاتية
وهي تخص الميولات الشخصية للأفراد بحيث تبرز هذه الأخيرة من خلال المكبوتات والرغبات الشخصية في البحث عن تحقيق التفوق الاجتماعي والعيش بنمط حضارة وثقافة البلاد المراد الهجرة إليها ولعل عالم الاجتماع ابن خلدون لمس الحقيقة في مقدمته أن "المغلوب دائما مولع باقتداء الغالب في نحلته وأكله وملبسه وسائر أحواله وعوائده".

تأثير وسائل الإعلام والعولمة
وخاصة منها المرئية حيث يشهد العالم ثورة إعلامية جعلت حتى الفقراء يستطيعون اقتناء الأخيرة التي تمكنهم من العيش عبر مختلف القنوات في عالم أحلامهم التي يسعون يوما بعد يوم إلى تحقيقها، حيث يقدم لهم الإعلام الصورة المثالية للعيش الكريم والرفاهية وكل حقوق الإنسان وهذا ما يرفع رغبتهم في الهجرة بأي طريقة كانت.

تأثير العامل التاريخي
بالعودة إلى تاريخ اليمنيين يتضح أنه أول شعب في التاريخ عرف ظاهرة الهجرة والاغتراب كما حصل لقوم سبأ اليمنيين المعروفة في القصص القرآنية، وبالتالي استمرت هجرات اليمنيين إلى الدول المستقبلة والتي هي غالبا الدول العربية الخليجية وغيرها كعامل تاريخي موروث ،وهنا يتبين سر تلك العلاقة التي تربط الدول الأصلية للمهاجرين اليمنيين إلى الدول المستقبلة.

إذن هذه الخلفية التاريخية تدفع العديد من اليمنيين إلى محاولة البحث عن أمل في الحياة سواء في تلك الدول الخليجية العربية القريبة منهم أو في مختلف أصقاع الأرض ،وهو الأمل الذي افتقدوه في بلدهم بسبب التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والتي جعلت اليمن يعيش ظروف اقتصادية سيئة جدا ولم يستطيع توفير ما يحتاجه أبنائه.

العامل الجغرافي
يساهم عامل القرب الجغرافي بصورة مباشرة في انتشار هذه الظاهرة ويتضح هذا بصورة جيدة في طول وتداخل الحدود البرية، حيث تبقى المسافة القصيرة بين اليمن والسعودية مثلا تقدر بسبعة كيلومترا فقط، مما يسهل عملية الهجرة إليها .

انتشار شبكات التهريب والاتجار بالبشر
تمارس هذه الشبكات الإجرامية المنظمة دورا هاما في انتشار الهجرة ،وهي شبكات متعددة الجنسيات تستغل الظروف الصعبة التي يعيشها الأفراد وعوائل الأطفال والنساء ، وتجمع من ورائهم مبالغ مالية طائلة بعد إغرائهم في ترحيلهم إلى دول الخليج الثرية .

وقد تكونت هذه الشبكات في مختلف مناطق الحدود اليمنية مع السعودية وسلطنة عمان لتقدم خدمات تساهم في انتشار الظاهرة ، رغم محاولة هذه الدول في ملاحقتها وتثبيط نشاطها إلا أنها شبكات استطاعت إبراز صمودها أمام مختلف القوانين وبقيت تواصل نشاطها الإجرامي بكل دقة في تهريب البشر والمتاجرة بهم مادام الإقبال على الظاهرة في تزايد مستمر.
"سن المهاجرين السريين ومستواهم التعليمي وترتيبهم بين الإخوة داخل الأسرة، كلها عوامل تؤثر في تصوراتهم للإقبال على ظاهرة الهجرة "
وخلصت الدراسة إلى عدد من النتائج:فمن خلال قراءة وتحليل الجداول الإحصائية تبين أن كلا من سن المهاجرين "المجهولين" وظروفهم الاقتصادية السيئة ومستواهم التعليمي وترتيبهم بين الإخوة داخل الأسرة ووضعيتهم تجاه الخدمة الوطنية كلها عوامل تؤثر في تصوراتهم للإقبال على ظاهرة الهجرة، وذلك انطلاقا من عوامل الدفع المتمثلة في انعدام فرص العمل داخل اليمن ، ووجود البيروقراطية والعراقيل الإدارية، وأخيرا عدم تحقيق الطموح المادي.

ويؤثر سن المهاجر المجهول في تصوره لعوامل الدفع بحيث كلما تقدم سنه كلما رأى أن أسباب الهجرة الدافعة تعود إلى عدم تحقيق الطموح المادي، وهذا عكس المهاجرين من فئات السن الصغيرة الذين يرون أن الأسباب الدافعة هي انعدام فرص التشغيل ووجود البيروقراطية والعراقيل الإدارية.

أما فيما يخص المستوى التعليمي للمهاجر فأكدت الدراسة أن ذوي المستوى التعليمي الابتدائي ورسوبهم المبكر يجعلهم يرون أن الأسباب الدافعة للهجرة تعود إلى انعدام فرص التشغيل وصعوبة حصولهم على مناصب شغل توائم مستواهم التعليمي.

ويؤثر ترتيب المهاجر المجهول بين إخوته داخل الأسرة على تصوراته للأسباب الدافعة إلى الهجرة حيث إن المهاجرين السريين الكبار في الأسرة يرون أن الأسباب الدافعة تعود إلى عدم تحقيق الطموح المادي، لأنّهم لم يستطيعوا تحقيق كل متطلبات أفراد أسرهم في حين المهاجرين ذوي المراتب الوسطى والصغيرة بين الإخوة هم غير معنيين بمسؤولية الإعانة الاقتصادية للأسرة، وبالتالي يرون أن الأسباب الدافعة تعود إلى انعدام فرص التشغيل.

وبعد تحليل وقراءة جداول إحصائية توصلت الدراسة إلى أن كلا من مكان إقامة المهاجرين المجهولين ومدى معرفتهم للأشخاص المقيمين بمكان الانطلاق "مدينة حرض "تؤثر في تصوراتهم لاختيار مكان الانطلاق المتمثلة في قرب المكان إلى الحدود السعودية وتوفر المكان على أشخاص لتقديم المساعدة، وهي كلها عوامل تؤدي إلى الإقبال على الظاهرة.

وكلما كانت مناطق إقامة المهاجرين باتجاه الجنوب والوسط كلما كانت تصوراتهم في اختيار مكان الانطلاق نحو توفر المكان على أشخاص يقدمون لهم المساعدة، قد يكونوا أصدقاءهم أو أقاربهم يزودونهم بالمعلومات اللازم معرفتها للإقبال على الظاهرة وهم غالبا ما يكونون أعضاء في شبكات تهريب البشر.


رابعا: هجرة أبناء اليمن نحو المجهول (بدع وأساليب)
إن العزف على وتيرة العيش الرغيد وحلم الثراء والخلاص من عسر الحياة هو ما تستعمله عموماً عصابات الهجرة غير المنظمة لاجتذاب اليمينيين نحو الخليج.
ويقع الضحايا في دائرة المحظور من خلال اللجوء إلى سماسرة التهريب ووسطاء التهريب والفساد الإداري والجماعات الإجرامية المنظمة المنتشرة عبر الحدود الذين يتقاضون مبالغ طائلة بدعوى تهريب الضحايا إلى الخليج وتوفير فرص عمل لهم في السعودية أو دول الخليج ثم يهربون بهذه الأموال دون أن يحاسبهم أحد...بينما تقوم الجماعات الإجرامية المنظمة المنتشرة عبر الحدود بتهريب الأشخاص نظير تقاضي مبالغ مالية تصل إلى خمسين ألف ريال يمني للشخص الواحد ،وقد تنتهي هذه المخاطرة إما بالموت أو السجن والترحيل.
ونتيجة لعدم توفر الوعي لدى هؤلاء الضحايا المهاجرين بمخاطر الهجرة المجهولة فقد يلقون حتفهم وهم في طريقهم إلى إحدى المدن الخليجية ،حيث يتم تهريبهم على متن سيارات حديثة عبر طرق صحراوية خطيرة ، والنتيجة ضياعهم وسط الصحراء وحتى من ينجو منهم ويصل إلى إحدى دول الخليج يعتبر مخالفاً لقوانين الإقامة، ويتم إعادته مرة أخرى إلى أرض الوطن مرحلاً مهاناً إلى بلده مرة أخرى. وبالتالي فان الهجرة غير المنظمة أصبحت تمثل سوق سوداء للاتجار باليمنيين الراغبين في الهجرة.
والخلاصة: إن الاقتصاد اليمني منذ سبعينات القرن الماضي كان يعتمد بشكل كبير ومن بين عدد محدود من مصادر الدخل على تحويلات العمالة اليمنية المهاجرة إلى دول الخليج، غير أن المتغيرات الإقليمية والدولية التي حصلت في المنطقة ومانتج عنها من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة زاد من هجرة الأيدي العاملة اليمنية إلى دول الخليج، وتزامن ذلك مع تغيرات كبيرة شهدتها السياسات الاقتصادية في اليمن، ومنها تداعيات الحروب والقلاقل الامنية المستمرة في اليمن ،وآثار تداعيات مابعد الوحدة اليمنية واندماج الدولتين وموظفيهما في دولة واحدة ،وإتباع سياسات تحرير القطاعات الاقتصادية وحرية السوق، وتداعيات المشاكل الأمنية في الصومال ومشاكل نزوح اللاجئين الصوماليين إلى اليمن بشكل مستمر ،والتي كان لها تأثير سلبي على قطاع واسع من السكان، وعلى الأخص في الريف، فالملايين في الريف اليمني الذين كانوا يعتمدون على الزراعة كمصدر أساسي للدخل أصبحوا يعانون من البطالة، بينما لا يتمتعون في الوقت نفسه بالمهارات التي تتيح لهم استغلال الفرص المحدودة للعمل بالخارج بشكل غير منظم، كما لعبت سياسات الخصخصة والتكيف الهيكلي في القطاع الصناعي والحكومي في تقليل فرص العمل بالنسبة للشباب في الحضر بصرف النظر عن المؤهلات التعليمية لهؤلاء الشباب، وهو الأمر الذي دفع بهم إلى تكرار عمليات الهروب من أرض الوطن إلى دول الخليج تحت مسمى الهجرة غير المنظمة.



























رابعا * العمالة اليمنية المهاجرة في الخارج
ودورها في المساهمة في عملية التنمية، ومتطلبات أسواق العمل الخليجية والدولية

مساهمة العمالة اليمنية المهاجرة في عملية التنمية
التنمية الشاملة في حقيقتها عبارة عن عملية تغيير شاملة اجتماعية وسياسية واقتصادية تهدف إلى إيجاد علاقات جيدة و متطورة في ظل أنظمة وقوانين تشبع رغبات أفراد المجتمع بجميع فئاته دون التمييز بين فئة و أخرى ،كما تهدف إلى الاستغلال الأمثل لموارد البلاد الاقتصادية ومنها تحويلات المغتربين و الطاقات البشرية المتاحة، بحيث يكون كل أفراد المجتمع بمختلف قطاعاتهم وقطاع المغتربين أحدها بل ونعتبره رافد أساسي من روافد التنمية ، ونؤكد هنــا إذا استطعنا إقناع المغتربين اليمنيين وبالذات أصحاب رؤوس الأموال إلى نقلها أو جزء منها إلى داخل الوطن وتوجيههم والنصح لهم بالاستثمار في المجالات التي تحتاجها البلاد .فسيؤدي ذلك إلى التسريع من نسق التنمية وتقوية الاقتصاد وتدعيم أواصر الصلة بين المغتربين و إخوانهم من مستثمرين ومواطنين في داخل الوطن.

*تحويلات المغتربين اليمنيين ودورها في التنمية

لعبت تحويلات المغتربين اليمنيين دوراً كبيراً في استقرار الاقتصاد الوطني , ومثلت أحد الروافد الرئيسية للدخل القومي كما ساهمت بشكل كبير في تكوين المدخرات القومية والتكوين الرأسمالي بالإضافة إلى مساهمتها في تغطية الجزء الأساسي من متطلبات البلاد من العملة الصعبة وتعزيز موقف ميزان المدفوعات الذي شكل فائضاً في بعض الفترات كما سدت فجوة النقد الأجنبي نتيجة التعاملات الدولية.
فكـما تدل الأرقام فقـد بلغت التحويـلات النقديـة للمغتربين اليمنيين خـلال الفتــرة (1974 – 2006 ) أكثر من 35 مليار دولار أمريكي ،وهذا الرقم يمثل المبالغ النقدية التي وصلت عن طريق الجهاز المصرفي الرسمي فقط ،وكلنا يعرف أن التحويلات العينية التي وصلت بشكل بضائع و آلات ومعدات بلغت قيمتها عشرات المليارات من الدولارات وبفضل التسهيلات التي أعطيت للمغتربين فقد ساهمت في تحسين مستوى المواطن في الداخل من خلال تحسين مأكله وملبسه ومسكنه , وساهمت في إقامة المشاريع التنموية الخاصة والعامة والتعاونية.
إن القيمة التي يمكن أن تعطى بصورة موضوعية لدور المغتربين في التنمية تتمثل بدرجة أساسية في التحويلات من النقد الأجنبي , تلك التحويلات التي ساعدت على قدرة الحكومات اليمنية في القيام بالتنمية وزيادة دور الدولة في هذا المجال ،إذ بغير التحويلات النقدية لما استطاعت الدولة اليمنية أن تفي بالتزاماتها تجاه التنمية وخصوصاً في السنوات الأخيرة التي شهدت اهتماماً متعاظماً بقضية التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وعرفت خلالها البلاد الخطط الخمسية التي نتائجها شاهدة على واقع الحياة.
ويكفي أن نشير إلى تقرير حديث للبنك الدولي الذي نشرته صحيفة السياسية الصادرة عن وكالة الأنباء اليمنية سبأ صنف اليمن ضمن عشر بلدان مصدرة للعمالة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفي نفس الوقت متلقين لتحويلات المغتربين من النقد الأجنبي.
وهذه الدول هي إلى جانب اليمن, المغرب مصر ,الجزائر,العراق,إيران,فلسطين (الضفة الغربية, قطاع غزة) , الأردن,تونس,لبنان. وأكثر الدول استقبالاً للمغتربين اليمنيين هي المملكة العربية السعودية, الولايات المتحدة الأمريكية, بريطانيا, السودان, ألمانيا,فرنسا,كندا,البحرين,الإمارات العربية المتحدة. وتساوي هذه التحويلات في بلادنا ما نسبته 6.7 % من إجمالي الناتج المحلي.
وقدر هذا التقرير عدد العمالة اليمنية التي تصرف على أسرها في داخل اليمن 1593.137 فرد ،منهم 5.7% تلقوا تعليماً عالياً و 1.9% كوادر طبية ،والباقي بين تعليم جامعي ومتوسط وحرفيين وعمالة عادية (غير ماهرة).
وفيما يلي جدول يوضح تحويلات المغتربين اليمنيين من النقد الأجنبي خلال الفترة من 2000 م إلى 2007 م

السنة المبلغ بالمليار دولار
2000م 1.288
2001م 1.295
2002م 1.294
2003م 1.270
2004م 1.283
2005م 1.283
2006م 1.283
2007م 1.300
الإجمالي 10.296


*اتجاهات استغلال تحويلات المغتربين اليمنيين
يشكل المغتربين أصحاب رؤوس الأموال على أكثر تقدير من 5% إلى8% من إجمالي عدد المغتربين اليمنيين في مختلف بلدان المهجر ،والباقي منهم هم بالتأكيد عمال يعتمدون على مبلغ محدد كراتب شهري يستخدم هذا الراتب في سد احتياجات أسرهم داخل الوطن واحتياجاتهم الشخصية داخل بلدان الاغتراب والجزء الأخر كمدخرات شخصية، وهذا ما يجب أيضاً أن نركز عليه فهذه المدخرات في مجملها تشكل رقم لا يستهان به يجب استغلاله من خلال توجيه المغتربين إلى الاستثمار الجماعي عن طريق إقامة شركات مساهمة ذات ربحية مؤكدة تحفظ للمغتربين حقوقهم وتشجعهم على المساهمة في مثل هكذا مشاريع بهدف امتصاص هذه المدخرات أو جزء منها إلى الداخل , من جانب آخر نرى أنه من الضرورة بمكان التسريع بتطبيق نظام التأمينات الاجتماعية على المغتربين بالخارج وهذا بدوره أيضاً سيؤدي إلى جذب جزء لا بأس به من هذه المدخرات وسيعود بالنفع على المغترب نفسه في حالة عاد إلى الوطن عودة نهائية.

تستخدم تحويلات المغتربين من خلال سلوك استهلاكي مثل شراء الأراضي وبناء المنازل , شراء السلع المعمرة ووسائل النقل واحتفالات الزواج وتسديد الديون وتسديد تكاليف الدراسة والتدريب وتأهيل من يعولهم المغترب وشراء الأصول المنتجة وتمويل عمليات الاستيراد والادخار, والسلوك الآخر هو سلوك استثماري يتمثل في نقل جزء من رؤوس أموال المغتربين إلى الداخل لإقامة المشاريع الاستثمارية في مختلف المجالات وهناك أمثلة ناجحة لهذه المشاريع الاستثمارية التي قام بها المغتربين من الاستثمارات في اليمن.


ولهذا فإن تحقيق تنمية شاملة قادرة على التأقلم والمواكبة للتطورات التقنية والعلمية يتطلب تضافر الجهود وإشراك مختلف قطاعات المجتمع والمتمثل في القطاع الحكومي ـالقطاع الخاص ـالقطاع الأهلي (المنظمات الأهلية ) في عملية التنمية الشاملة ،وذلك على النحو الآتي :
دور القطاع الحكومي :
يكمن دور القطاع الحكومي في القدرة على استيعاب التقنية الجديدة بما فيها تنظيم الإدارة والمؤسسات وإدارة الأعمال والمجتمعات وتنمية القدرات البشرية من أجل تحقيق أفضل استخدام للموارد المتاحة وأحسن استغلال للثروات الموجودة .
كما تندرج ضمن هذه المتطلبات مواصلة الإصلاحات الاقتصادية والسياسية ، بما من شأنه تصحيح الاختلالات الهيكلية بما يساعد على حفـز الادخار وترشيد استخدامـات الموارد ومعالجة الفاقد منها ،وتخفيض عجز الموازنة العامة واسترجاع قدراتهـا الإنمائية ،وإفسـاح المجال لقوى السوق لخلق ظروف أكثر واقعيـة لأداء عوامل الإنتاج بما يمكن من تحقيـق معدل نمو مقبول ، يمكننا من تحديث قطاع الإنتاج وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين ، وتجدر الإشارة إلى أن لهذه الإجراءات الإصلاحية أبعادهـا المتصلـة بنواحي كثيرة مؤسسيـة وقانونية وإدارية وتنظيمية لابد من إصلاحها للقضاء على البيروقراطية والترهل والفساد الإداري وتشابك وتداخل القوانين.
ويتوقـع مع استمرارية انتهاج برنامج الإصلاحات وتنفيذ الخطة الخمسية الثالثة أن تتمكن الدولة من إزالة التشوهات التي تكتنـف اقتصادها ، إيجاد بيئة أكثر استقراراً على مستوى الاقتصاد الكلي مواتية لدفع حركة التنمية وتحقيق النمو القابل للاستمرار.
دور القطاع الخاص :
تتزايد أهميـة دور القطـاع الخاص في المشـاركة في التنميـة من خلال استمرار الدولة لتطبيـق السياسـات الإصـلاحية في شتـى الجوانـب اقتصـادية ، ماليـة ، إداريـة .
من هنا فإن من متطلبات التنمية السريعة المتكامـلة أيضاً دعم وتطوير القطاع الخاص إذ أن هذا القطاع مدعو لأن يلعب الدور الأساسي في إستراتيجيـات التنمية في العقود القادمة على غرار ما يحدث في العالم كله ، وعلى ضوء التحرر والانفتاح الاقتصادي .

ومثلما أحدث التخطيـط تحولاً نوعيـاً أدى إلى إسراع النمو في الستينات والسبعينات من المتوقع أن تحدث مشاركة القطاع الخاص في التنميـة هزه مماثلـة تؤدي إلى التحول إلى درجة أعلى في مسيـرة التنمية0 إلا أن القطاع الخاص لا يزال يشكو من إختلالات عديدة يجب التركيز عليها وإصلاحها ومن هذه الأختلالات صغر حجم وحداته وثقـل مديونيتـه وضعف إنتاجيتـه وانكفـائه على نفسه وعدم الانفتـاح على محيطة وضآلـة قدرته على الخلق والإبداع وسعيـه للربح السريع وكل هذا لا يتماشى مع ضرورة تنمية الإنتاجيـة والكفاءة التنافسية .

دور القطاع الأهلي (المنظمات الأهلية) :
المنظمات الأهلية وبالذات في الدول المتقدمة أصبحت قطاع فاعل وقوة اقتصـادية فاعلـة ومؤثرة في التنمية ،من خلال مشـاركة قطاع واسع من المجتمعات المحلية والشعبية مدرك لما يقوم به من خدمات ومتفهم لحاجات المستهدفين ومتطلباتهم 0وقد انتشرت المنظمات الأهلية في بلادنا وتنوعت نشاطـاتها وتشعبت ، ومن هنا وحتى لا تخرج عن الأهـداف المحددة لها يجب على هذه المنظمات أن تحـدد أهدافها بدقة وتحدد نشاطاتها وبرامجها وأن تكون هذه النشاطات والبرامج معلنة وواضحة .
وأن يسيـر عملها وفق خطة محددة في مجالاتها و واقعـها وأفـاق نشاطها بهدف ضمان نجاحها وحشـد طاقاتـها أي أن تكون هناك خطط مستقبليـة تسقرىء الواقع وتستـشرف أفاق المستقبـل ، وهذا وحدة هو الذي سوف يساعدها على النجاح و المساهمة الفاعلة في التنمية الشاملة .

*مساهمة رأس المال اليمني المغترب في التنمية .

تناولت العديد من الدراسات حجم تحويلات المغتربين اليمنيين خلال الثلاثين السنة الماضيـة ،وما لعبتـه من دور كبير في إحداث تغييـرات جوهـرية في الاقتصـاد اليمنـي ،من خلال إحداث فائض في ميزان المدفوعات وسد فجوه النقـد الأجنبي وزيادة حجم الواردات كما أنها سدت كثير من احتياجات أسر المهاجرين من الغذاء والكساء وبناء المنازل واحتفالات الزواج وشراء الأراضي وسداد الديون وغيرها من المنافع التي حققتـها هذه التحويلات .

وآياً كانت الاستخدامات لهذه التحويلات فإنها شكلت قوه اقتصادية للوطن 0 وساهمت في زيادة موارد أفـراد الأسر المستفيـدة من هذه التحـويلات الإنتـاجية وإيجـاد نوع من الاستثمـار الغيـر مخطط من خلال شـراء العقـارات والأصول المنتجـة كالأراضي الزراعية أو مدخرات إنتاجية حديثة 0 وفي الاتجاه الآخر إذا نظرنا إلى خطط الدولة التنموية سواء السنـوية أو الخطط الخمسية في المحافظات الشماليـة أو الجنوبيـة قبل الوحدة أو حتى الخطـة الخمسيـة الأولى والثانية والثالثة في ظل الوحدة المباركة ،سنجدها لم تتناول مساهمات المغتـربين اليمنيين في الخارج وتحويلاتهم ،وكيـف يمكن تنظيمـها واستغـلالها في دعـم مسيرة التنمية، وكما أسلفنـا فإن من أهم أهداف التنمية استغلال الموارد المتاحة الاستغلال الأمثل 0ورؤوس أموال المغتـربين اليمنيين في الخارج وتحويلاتهم واحدة من هذه الموارد التي لم تستغـل بعد ،وتعتبر في نظرنا من الموارد المهدرة وبحاجة إلى إعادة نظر وحسن استغلال.
* أوضاع المغتربين اليمنيين في بلدان المهجر :
تتـأثر علاقـة المغتـربين اليمنيين في بلدان المهجر بالعلاقـات السياسية التي تربط هذه الدول باليمن سلباً وإيجاباً ،والأمثلة كثيرة على ما أوردناه 0كما أن أوضاع المغتـربين اليمنيين في بلدان المهجر تتأثر بالأوضـاع السياسية داخل بلد المهجر نفسه وسوف نورد هنا بعض الأمثلة : عندما سيطر الاشتراكيون على الحكم في أثيوبيا تأثر المغتربون من جراء تأميم الدولة في أثيوبيا لممتلكات القطاع الخاص ومنها ممتلكات الجالية اليمنية هناك والتي أعيدت قبل فترة وجيزة 0

-أزمة الخليج الثانية عام 90م وغزو العراق للكويت ، حيث كان لهذه الأزمة الأثر السلبي الكبير في حياة المغتربين اليمنيين ،حيث عاد ما يقارب من مليون وثلاثمائة ألف مغترب يمني من دول الخليج واغلبهم من السعودية ،وفقدت ممتلكات عدد كبير من منهم وفقد هؤلاء المغتربون العائدون مصادر دخلهم التي كانوا يعيشون عليها هم وأسرهم ،وأثرت هذه العودة المفاجئة والضخمة تأثيرا سلبيا جدا على اقتصاد الوطن نفسه ،بزيادة معدلات البطالة والفقر وإحداث أزمة سكنية وبالذات في المدن الرئيسية 0
- الحرب الأهلية في الصومال منذ عام 92م والتي على إثرها عاد المغتربون اليمنيين هناك وفقدوا كل ممتلكاتهم من جراء الحرب الطاحنة في الصومال والتي أضاعت بلد بكاملة. وليس هذا فحسب ،بل واستقبال اليمن ملايين اللاجئين الصوماليين على أراضيه وما ينتج عن ذلك من تحديات اقتصادية وأمنية واجتماعية باهظة تتحملها اليمن .

-الحرب بين أرتيريا وأثيوبيا وكذلك النزاع اليمني الإريتري على جزر حنيش كان لها الأثر على المغتربين من خلال الضغوطات التي تعرضوا لها في تلك الفترة 0

- أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م الإرهابية التي تعرضت لها أمريكا والتي كان من آثارها قتل عدد من المغتربين وسلب ونهب لأموالهم والمضايقات التي يتعرضون لها المغتربون حتى اليوم في أمريكا 0

- كان الحدث الأكثر تأثيراً في العالم منذ العام 2008 م هو تداعيات الأزمة الاقتصادية المالية العالمية التي اجتاحت بورصات العالم وأدت إلى خسائر فادحة منيت بها الدول العظمى والشركات والبنوك والتجار والمغتربين .وفي اليمن كان تأثير الأزمة المالية العالمية سلبيا جدا في اقتصادها ،حيث شكلت تداعيات تلك الأزمة السلبية تحديا جديدا وقويا أضيف إلى بقية التحديات التي تواجهها اليمن ،بل كان هذا التحدي من أقوى التحديات التي يواجهها نظرا لمحدودية موارد اليمن وبروز المشاكل الأمنية ،ومع ذلك فقد استطاعت اليمن ومن خلال التزامها ببرنامج الإصلاح المالي والإداري الذي أطلقته منذ عام 1995م ، تمكنت من تحقيق معدلات نمو حقيقية للقطاعات الاقتصادية . وتخفيض معدلات التضخم والبطالة وتحقيق استقرار سعر الصرف وإحداث توازن مستقر في ميزان المدفوعات وفي الموازنة العامة . بالإضافة إلى توفير مناخ جاذب للاستثمارات عن طريق الإصلاحات الهيكلية . وتعزيز دور القطاع الخاص . وتحقيق مزيد من الانفتاح الاقتصادي على العالم الخارجي . وقد بدأت الدولة ببرنامج للتثبيت يهدف إلى تخفيض كل من عجز الموازنة العامة وميزان المدفوعات من خلال تنفيذ عدد من السياسات المالية والنقدية. وباشرت كذلك تنفيذ برامج التكييف وإعادة الهيكلة والتي تشمل تحرير الأسعار والتجارة وخصخصة المشروعات العامة وتشجيع الإنتاج التصديري .

*العوامل المؤثرة في جذب رؤوس أموال المغتربين اليمنيين في الخارج :
تعمل الحكومات اليمنية المتعاقبة جاهدة وبخطوات متسارعة وواثقة على إيجاد الأرضية الصلبة لجذب الاستثمارات الأجنبية والعربية والمغتربة في الدرجة الأولى ،من خلال الإصلاحات التي قامت بها الدولة خلال الفترة الماضية والتي تجعلنا نجزم بأن لا خوف على رؤوس الأموال بعد اليوم ، حيث يمكن للمستثمر سواء المغترب أو الأجنبي أو العربي أو المحلي أن يستثمر أمواله في إي مجال من المجالات المختلفة والمتاحة وسيجد كل ترحاب
ومع كل ذلك يمكننا أن نقسم العوامل المؤثرة في جذب رؤوس الأموال إلى عاملين رئيسين عوامل جذب محفزة وعوامل طارده أو معوقات وسوف نوجز كل منها كما يلي :

أولاً : عوامل الجذب (الحوافز):
تتعدد المحفزات سواء في المدن اليمنية المختلفة أو في المنطقة الحرة بشكل خاص مما يؤكد توجهات الدولة التنموية ولتشجيع المستثمرين سواء المغتربين أو غيرهم ويستفيد من التسهيلات بالتساوي المستثمر المغترب والمحلي والأجنبي القوانين المتعلقة بالاستثمار كقانون الاستثمار وتعديلاته وقانون المنطقة الحرة تعتبر قوانين مشجعة لجذب الاستثمار ومن أفضل القوانين في الوطن العربي ليس هذا فقط بل دعوة رئيس الجمهورية اليمنية باستمرار للمستثمرين وكان أخرها عند زيارته للمحافظات الشرقية ووجه بمنح الأراضي مجاناً للمستثمرين الذين تصل رؤوس أموالهم إلى عشرة ملايين دولار فما فوق تشجيعاً لإقامة المشاريع ذات البعد الإستراتيجي والمساهمة في إقامة البنية التحتية ، وكذلك ما صرح به الأخ/ رئيس الوزراء في عدن في اجتماع اتحاد الغرف التجارية "عدن – بوابة اليمن إلى العالم "بأن العقد المبرم بين المستثمر والدولة له قوة قانونية كبيرة تحفظ حقوق المستثمر.

- التوجهات التنموية الجادة واستمرار الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية ومعالجة كل الاختلالات والعراقيل التي تعيق استثمارات المغتربين أو العرب أو الأجانب.
- التخطيط الحضري للمدن اليمنية والذي بدأت الدولة بانتهاجه يعتبر عامل مؤثر في جذب الاستثمارات من حيث تخصيص مناطق صناعية في المدن الرئيسية وشبكة طرق واسعة تربط مختلف مناطق الجمهورية وتسهل الحركة والتنقل .
- تتمتع الجمهورية اليمنية بسواحل تمتد على سواحل البحرين العربي والأحمر تزيد طولها على 2500كيلو متر وهذه ميزة سياحية قلما تتوفر لأي دولة هذا إلى جانب المدن والمناطق الأثرية والتاريخية ووجود المياه الساخنة الصحية وكل هذه عوامل جذب سياحية .
- قرب الموانئ اليمنية من الخط الملاحي الدولي مما يسهل وصول البضائع في وقت قصير مقارنة مع بقية الموانئ المجاورة
كما أن هناك حوافز أخرى للاستثمار في المنطقة الحرة بعدن نذكر منها :
-1 موقع عدن الإستراتيجي
- 2 تعامل الهيئة العامة للمنطقة الحرة بعدن عبر نظام النافذة الواحدة
- 3 حرية تحويل الأموال والأرباح خارج المنطقة الحرة
-4 حرية استقدام العمالة واختيار مجال الاستثمار واختيار الشكل القانوني للمشروع وتحديد الأسعار والأرباح
- 5 توفر جميع الخدمات التي يحتاجها المستثمر ـ سياحية ـ تموينية ـ أيادي عاملة ماهرة

ثانياً : المعوقات
برغم الخطـوات العديـدة الإيجابية التي قامت بها الدولـة في مجال الإصلاح الإداري والاقتصادي والمالي من أجل إشراك مختلف القطاعات في التنمية ، قطاع المغتربين ـ القطاع الخاص آلا أنه لا يزال هناك عقبات معيقة لانسياب رؤوس الأموال سواء الخاصة أو المغتـربين نوجزها في الآتي :
- تعتبر الأراضي من المعوقات الرئيسية أمام المستثمرين من المغتربين ومن القطاع الخاص برغم القـرارات والتوجيهـات العديدة للحكومة في إقامة المناطق الصناعية للمستثمرين بشكلٍ عام وللمغتربين بشكلٍ خاص , لا تزال الخدمات الرئيسية الضرورية للمشروعات الاستثمارية ، الكهرباء ،مياه، اتصالات ، صرف صحي ، وغيرها من المعوقات الرئيسية أيضاً لجذب الاستثمارات .
- ضعف كفاءة وأداء بعض مرافق الخدمات المساعدة لعملية الاستثمار مثل الموانئ والمطارات وبيوت التمويل والبنوك وغيرها 000لا تزال محل نقد مستمر من قبل كثير من المغتربين والمستثمرين
- التطويل في القضايا وعدم البت فيها من قبل المحاكم والناتج عن قلة عدد القضاة وعدم كفاءة أعوان القضاة وعدم ملائمة الأماكن والمباني التي تقام فيها المحاكمات
- قصور الإعلام الرسمي الموجه للمغتربين اليمنيين من الوصول إلى بلدان المهجر والتي يوجد فيها كثافة من المغتربين ومحدوديته.
*أبرز المشاكل والعراقيل التي يعانيها المغتربين اليمنيين في الخارج:-
1- ضعف وتدني مستوى الخدمات الحكومية التي تقدم للمغتربين اليمنيين في الخارج (بل وانعدامها غالبا)سواء تلك التي تقدمها وزارة شؤون المغتربين اليمنيين أو وزارة الخارجية أو السفارات والقنصليات اليمنية في الخارج, وشعور معظم المغتربين اليمنيين بغياب أي جهات رسمية ترعاهم في بلدان الاغتراب كالسفارات والقنصليات مثلاً , مما يشكل إحباطا كبيراَ للمغتربين خصوصاً عندما يلمسون اهتمام كثير من الدول برعاياها رغم أعدادهم القليلة ،بينما السفارات اليمنية والجهات الرسمية لايكاد يكون لها دور هام فيما يتعلق بالقضايا الأساسية للجالية مثل تنظيم ومتابعة ورعاية المغتربين ,وعلاقات العمل والتعليم والثقافة والرعاية المتواصلة ،وإن وجد بعض الاهتمام الرسمي بالمغتربين فهو مناسباتي ومحدود جدا ولا يمثل حتى الحد الأدنى مما يجب أن تقوم به هذه الجهات (الخارجية –وزارة شؤون المغتربين – السفارات) ,ناهيكم عن ضعف وغياب أي آليات للتنسيق والتعاون والتكامل بين – هيئات (الاتحاد العام للمغتربين اليمنيين ) ومعظم قيادات الهيئات الإدارية للجاليات اليمنية بالخارج ,وبين المنظمات الحقوقية غير الحكومية المهتمة برعاية حقوق المغتربين اليمنيين– مما يقودنا ذلك - إلى الازدواجية وبعثرة الجهود والإمكانات وضعف الفاعلية في تطبيق البرامج والأنشطة التنموية ,بسبب غياب دور قوي لمؤسسات المجتمع المدني اليمني غير الحكومية في هذا القطاع .
2- عدم وجود أي نظام معلومات متكامل عن المغتربين اليمنيين بالخارج.
3- انخراط أبناء الجاليات اليمنية في أعمال تشغل معظم أوقاتهم مما يبعدهم عن الاهتمام بأسرهم وأولادهم .
4- عدم إتقان الكثير منهم للغات وثقافات بلدان المهجر، وعدم وعي الكثير منهم بأهمية ذلك .
5- التقوقع وعدم المشاركة والتفاعل الايجابي مع المجتمعات التي يعيشون فيها, رغم سهولة التكيف والتفاعل مع غالبية المجتمعات .
6- عدم تشجيع الآباء المغتربون جيل الأبناء على مواصلة التعليم والاستفادة من فرص التعليم الكثيرة والمتنوعة مما يحرم جيل الأبناء من ضمان مستقبل مشرق وكذا حرمان اليمن من الاستفادة من أبنائها إذا قرروا العودة إليها
7- غياب أي دور فاعل للمرأة اليمنية المهاجرة ،فهي إما تظل داخل البيت ، أوان يتم الزج بها في أعمال لاتليق بمكانتها، وعدم تشجيعها على تعلم اللغة واكتساب بعض المهارات والخبرات التي تساعدها في الاهتمام بأولادها ورعايتهم بشكل أفضل .
8- عدم قدرة كثير من جيل الإباء على التعامل بطريقة تربوية سليمة مع الأبناء الذين تربوا في المهجر ويجهلون طبيعة العلاقة التي ينبغي أن تكون بين الآباء والأبناء مما يسبب كثيرا من المشاكل الاجتماعية المؤسفة .
9- جهل كثير من أبناء الجاليات اليمنية بواجباتهم وحقوقهم في بلاد المهجر وعدم وعي الكثير بوجود فرص كثيرة يمكن من خلالها تحسين أوضاعهم المعيشية والاجتماعية .
10- إصرار بعض أبناء الجاليات اليمنية على عدم التخلي عن بعض العادات السيئة الموجودة في اليمن وعدم الارتقاء بتفكيرهم ومستوى حياتهم فتجد الكثيرين لا تتغير كثير من السلوكيات لديهم رغم اغترابهم الطويل ومن هذه العادات مضغ القات رغم انه محظور وكذا النزعة المناطقية الموجودة عند البعض
11- عدم وعي كثير من أبناء الجاليات بالطريقة المثلى للإستثمار في أرض الوطن أو في المهجر
12- فتور حب العمل التطوعي بين أبناء الجاليات اليمنية لافتقارهم إلى نخبة متعلمة قادرة على لم الصف وتوحيد الجهود والإمكانات لتأسيس جمعيات أهلية ترعى شؤون الجاليات وتكون حلقة وصل بالتعاون مع المنظمات الوطنية 13 – عدم كفاءة وأداء بعض مرافق الخدمات المساعدة لعملية الاستثمار مثل الموانئ والمطارات وبيوت التمويل والبنوك وغيرها 000لا تزال محل نقد مستمر من قبل كثير من المغتربين والمستثمرين
14- التطويل في القضايا الخاصة بالمغتربين وعدم البت فيها من قبل المحاكم والناتج عن قلة عدد القضاة وعدم كفاءة أعوان القضاة وعدم ملائمة الأماكن والمباني التي تقام فيها المحاكمات .
15 - قصور الأعلام الحكومي الموجه للمغتربين اليمنيين من الوصول إلى بلدان المهجر والتي يوجد فيها كثافة من المغتربين ومحدوديته
16- ومما بجدر الإشارة إليه هو أن الجاليات اليمنية تمتلك عدداً من المراكز الثقافية والدينية والتي تستخدم عادة كمسجد للصلاة وفي أحسن الأحوال يتم تدريس القران الكريم واللغة العربية في نهاية عطلة الأسبوع ،ونظراً لعدم توفر كفاءات يمنية متخصصة وانشغال الآباء في أعمالهم فإنه لا يستفاد من هذه المراكز الاستفادة الكبيرة المرجوة والتي تتمثل في تفعيل دورها من خلال تأسيس مدارس متكاملة للجاليات اليمنية,واستخدامها كمراكز ثقافية اجتماعية تعمل على نشر الوعي الوطني وخلق بيئة ملائمة لليمنيين ,وجعل هذه المراكز وسيلة للتنوير والمتعة والفائدة ,
ورغم كل ما سبق فإننا لا يمكن أن نغفل أن الجاليات اليمنية تحقق بعضا من النجاحات في مختلف الأصعدة, ويتميز اليمنيون بشدة ولائهم لبلادهم وارتباطهم بها وحنينهم الدائم للعودة ،فيوجد نماذج مشرفة من أبناء الجاليات اليمنية ممن استفادوا من الغربة وتمكنوا من مواصلة تعليمهم واستطاعوا الحصول على أعلى المؤهلات العلمية في تخصصات مختلفة ,وهم يعلبون دوراً مشرفاً في أماكن عملهم ،كما يوجد عدد من رجال الأعمال اليمنيين الذين حققوا نجاحات متميزة في الأعمال التجارية ,مما يجعلهم قادرين أكثر على تمثيل بلدهم بشكل طيب ،كما تجد أبناء الجاليات اليمنية يتفاعلون مع المستجدات في الساحة اليمنية ,حيث يقومون بتنظيم الاحتفالات بالمناسبات الوطنية والدينية التي تعمق ولاءهم وانتمائهم لليمن الحبيب .

*جوانب من مشاكل الهجرة اليمنية وقراءة في المعالجات الصحفية للظاهرة
المهاجر هو شخص ينتقل من مكان لمكان آخر للعيش فيه وغالبا من اجل العمل إما بصورة مؤقتة او دائمة ، والعامل المهاجر هو الشخص الذي يمارس عملا في دولة لا تعتبر وطنه ، بينما المهاجر غير القانوني هو المهاجر الذي لا يحمل تصريحاً قانونياً للبقاء في دولة المضيفة أو يحمل أوراقاً لكنها مزورة بحيث يشكل ذلك عائقا له للتمتع بحقوقه الإنسانية .
وتكمن المشكلة في تزايد المخاطر التي يتعرض لها المهاجرين اليمنيين غير الشرعيين خلال السنوات الماضية في اليمن، حيث أدت محاولات المهاجرين غير القانونيين إلى مصرع حوالي 40 مهاجر في الحدود اليمنية السعودية خلال عام 2009 ، بينما فقد حوالي 500 مهاجر خلال عام 2009 ، ولا يكاد يمر يوم أو أسبوع إلا وتقوم السلطات السعودية بالذات بالقبض على مجموعات للمهاجرين اليمنيين المجهولين التي تحاول الهروب من اليمن إلى السعودية ودول الخليج .
وسوف نستعرض في هذا الجزء تحليل مضمون ما نشرته بعض الجرائد اليمنية لمعالجة المشكلة وسوف نستعرضها على النحو التالي :ـ
1. أسباب تزايد الظاهرة
موجات الهجرة غير الشرعية ليست وليدة اليوم ولكنها طفت على السطح بعد تزايد الاهتمام الإعلامي بالمشكلة، وقد ارتبط تزايد موجات الهجرة للخليج بتدهور الأوضاع الاقتصادية اليمنية،وتزايد الآثار السلبية لتطبيق سياسات التحرر الاقتصادي خاصة في الريف .
وارتبط تزايد هذه الموجات بتزايد احتياجات أسواق العمل الخليجية لمزيد من العمالة غير الرسمية المحرومة من حقوقها التأمينية والاجتماعية والصحية والعمالية ، أضف إلى ذلك انتشار الجرائم الالكترونية بعد ثورة الاتصالات وسهولة عمل شبكات التهريب، بالإضافة إلى تأثير علاقات القربى والجوار في تنامي الظاهرة خاصة في الأماكن الريفية ، أضف إلى ذلك عجز الحكومة اليمنية خلال الـ 20 عاما الماضية عن توفير فرص العمل اللائقة بسبب التحديات الاقتصادية التي تواجهها .
وعلى جانب آخر اكتفت الحكومات اليمنية والسعودية والخليجية عموما بالمعالجات الأمنية للظاهرة ،حيث عجزت الحكومة اليمنية عن القيام بدورها في تحسين أوضاع الحقوق الإنسانية وتوفير الحياة الكريمة والأمان لمواطنيها بسبب شحة إمكانياتها الاقتصادية ،مما أدى لتفاقم المشكلة وقيام الآلاف الشباب بتكرار المخاطرة مما أدى لمصرع وفقدان بعضهم في الحدود ، وساهم ارتفاع مستويات الفقر في تزايد الظاهرة حيث تقدر التقارير الرسمية بان أكثر من 40% من اليمنيين يقل دخلهم عن 2 دولار في اليوم ، وازدادت نسب البطالة لأكثر من 40% بين مجموع العاملين ،وازدياد الفساد بالجهات الحكومية وإهدار مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين ، مما أصاب الشباب وصغار المنتجين باليأس والإحباط بسبب عدم قدرتهم على التعامل مع الفساد المستشري بمعظم قطاعات المجتمع اليمنى .
وتدهورت الأوضاع الاقتصادية والسياسية والثقافية بالمجتمع خاصة بالريف وعجز الشباب عن تحقيق أحلامهم بالعيش الآمن الكريم ، بالإضافة إلى أن نجاح بعض المهاجرين غير القانونين في تحسين أوضاعهم بعد عودتهم أعطى منفذ وأمل للشباب لتجاوز فقرهم والتغلب على الفشل في تحسين أوضاعهم .
هذا بالإضافة إلى الخلل في الإطار القانوني والفلسفة التشريعية التي تعالج ظاهرة الهجرة غير القانونية حيث خلا القانون من عقاب رادع لعصابات التهريب ،والذي أضاف إلى ذلك الدور السلبي للحكومات الخليجية لمعالجة أسباب ازدياد الظاهرة واكتفاءها بالتعاون الأمني بين أجهزتها وبين السلطات اليمنية والذي ساهم في مزيد من القتلى والمفقودين بعد استجابة الحكومة اليمنية لضغوط دول الخليج العربية بضرورة وقف تنامي الظاهرة فقامت باعتقال المهاجرين غير الشرعيين وانتهاك حقوقهم .
وقد رصدت ملفات قضايا رابطة المعونة لحقوق الإنسان والهجرة بان حوالي 3000 يمني "مجهول"تم اعتقالهم خلال عام 2009 في الأراضي السعودية وحدها ،وتم ترحيلهم إلى اليمن ،وكانوا يعانوا من أوضاع متردية داخل السجون ، ومن جانب آخر فان المهاجر غير القانوني وأسرته وقريته ووطنه يخسرون كثيرا بسبب فقده أو غرقه أو حتى هجرته غير القانونية بتركه وطنه ،حيث يعانى المهاجر من التهميش ويحرم من حقوقه بمجتمعه الجديد ، وإذا نجحت محاولة الهجرة غير القانونية يعامل كونه مجرم غير مرغوب فيه في المجتمع البديل ،فيظل محاصر ومهدد من كل الأطراف صاحب المنزل والعمل والبوليس والجيران ، ويتحول المهاجر لكبش فداء لأمراض اجتماعية وفشل سياسات الحكومات ويتم التمييز ضدهم بشكل قانوني، فالمهاجرين غير الشرعيين لا يملكون أية حقوق على الإطلاق في بلدان المهجر وبالتالي يتعرضون للاستغلال من جانب أصحاب العمل والمهربين والسلطات المختلفة ويعيشون في حالة خوف دائم .
ويحكى المهاجرين المجهولين الذين تقابلنا معهم قصص مرعبة عن الانتهاكات التي يتعرضون لها قد تحرمهم أحيانا من "الحياة" . كما إن المهاجرين غير القانونيين الذين ينجحون في الوصول لدول الخليج يعيشون معزولين في مناطق أشبه بالسجون ، ولأنهم يعيشون بدون تصريح أو وثائق فان القوانين الرسمية لا تعترف بهم وبالتالي يخرجون عن نطاق الحماية لحقوقهم الإنسانية ويقعون فريسة سهلة للابتزاز والاستغلال خاصة من شبكات التهريب والمتاجرة بالبشر، كما يتعرض معظمهم للاعتقال والاحتجاز في أماكن غير آدمية ويتعرض النساء والأطفال منهم لأبشع أنواع الاستغلال حيث يتم الاتجار غير المشروع فيهم . وهناك الكثير من التقارير الدولية التي بينت كيفية انتهاك حقوق المهاجرين اليمنيين في دول الخليج سواء القانونيين أو غير القانونين وتعرضهم للاعتقال والاستغلال ويحرمون من المحاكمة العدالة ويتم مصادرة وثائقهم وحرمانهم من الحصول على حق متكافئ مع مواطني بلد المهجر وفي النهاية ترحيلهم إلى بلادهم ،وحرمانهم من حقوق المهاجر الشرعي في الرعاية التعليمية والصحية والسكن اللائق والعمل الآمن واللائق ،وتنتهك حقوقهم المدنية في الاعتقاد والرأي وتشكيل النقابات والجمعيات ، ومع كل ذلك فان المهاجر غير القانوني يعتبر إن حلم الهجرة حتى ولو بشكل غير قانوني هو الأمل الوحيد للحياة .
هذا وبالرغم من أن الذين فشلوا يتعرضون للاعتقال والإهانة والتعذيب من قبل السلطات المحلية وتتدهور أوضاعهم الصحية والنفسية ويحرمون من المحاكمة العادلة بالإضافة إلى خسارة أسرهم من عائلهم وحرمان الأطفال والنساء من الرعاية وتعرضهم للاهانة والقهر، حيث يحكى الكثير من المعتقلين " أنهم تعرضوا للتجريد من ملابسهم وإهانتهم وتعذيبهم من قبل الضباط والمخبرين من حرس الحدود الخليجي " بالإضافة إلى ضياع أموالهم بعد أن استولى عليها سماسرة التهريب وتعرضهم للحبس بسبب اقترضهم الديون التي دفعوها للسمسار، بالإضافة إلى أن معظم إمكانيات وطاقات المهاجرين من الشباب يفقدها الوطن كجزء من ثروته البشرية ،ويفقد المهاجر المجهول في النهاية عمره نتيجة محاولته الهروب من وطنه عن طريق الصحراء ،وأكد ذلك قصص المهاجرين لمركز المعونة للهجرة .
2. رؤية الصحافة اليمنية لادوار الجهات المختلفة لمعالجة الظاهرة
أبرزت الصحف المستقلة والحكومية نتائج حوادث الهجرة غير الشرعية والضحايا ،وحكت عبر تحقيقاتها قصص الضحايا وصعوبة الرحلة وكيف يتم النصب عليهم من قبل بعض عصابات التهريب والسماسرة من المهربين عبر الحدود ،لكن بعضها لم تبرز قيام شرطة الحدود بدول الخليج باعتقال معظم المهاجرين اليمنيين وإساءة معاملتهم وإهانتهم .
وحاولت الصحف الحكومية طرح رؤية الحكومة في حل مشاكل المهاجرين غير القانونين باستعراض برنامج وزارة المغتربين ووزارة العمل الذي يقترح تأهيل الشباب اليمني للهجرة بشكل قانوني!!
واستعرضت الصحف موقف وزيرة العمل من العمالة الأجنبية... وعلى الرغم من أن العمال اليمنيون يهربون من وطنهم فان تصريحاتها جاءت متشددة تجاه العمال الأجانب الغير مرخص لهم بالعمل ،وأشارت الصحف بجولة الوزيرة مع نظرائها في دول الخليج لتعلن عن جهودها في تحسين أوضاع العمال المهاجرين بالرغم من علم معاليها بحجم الانتهاكات البشعة التي يتعرض لها اليمنيين العاملين في الخليج وبالذات المجهولين منهم ،ولعل القصص المأساوية لأوضاع العمال اليمنيين المجهولين في خميس مشيط السعودية ابلغ دليل على إخلال سفاراتنا بالخارج من القيام بدورهم من حماية العاملين اليمنيين بالخارج .
وأبرزت الصحف الدور الهش للاتحاد العام لعمال اليمن من خلال استعراض ندوة ناقش فيها مشاكل العمال المهاجرين وباستثناء هذا الخبر لم نلمح صورة أو تصريح أو إجراء لاتحاد عمال اليمن لحل مشاكل العمال المهاجرين في الخليج ، في نفس الوقت اهتمت الصحف بتصريحات وزارة الخارجية لعرض رؤيتها بضرورة الالتزام من جانب المهاجرين بالقانون والتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية وحذرت من عصابات التهريب !! لكنها لم تبين كيف تقوم الوزارة من خلال سفارتها بحماية حقوق العاملين اليمنيين بالخارج ؟
كما أبرزت الصحف دور أجهزة الأمن في القبض على عصابات التهريب واعتقالهم وتغليظ العقوبة عليهم ،دون أن توضح سلبية هذا الدور في تنامي الظاهرة !! وبينت دور رجال الأعمال الغائب في حل مشكلات المجتمع.
وحاولت الصحف أن تبرز دور الحكومة في معالجة الظاهرة فنشرت خبر حول اهتمام الحزب الحاكم بالموضوع دون أن تبين أن معظم الأحزاب اليمنية لم تتضمن برامجها علاج لتلك الظاهرة من كافة جوانبها ؟ أو ما هي الإجراءات التي اتخذها حزب المؤتمر الشعبي الحاكم لحل مشكلات المهاجرين وتحسين أوضاعهم ؟
وحاولت وزارة حقوق الإنسان عبر مؤتمر أقامته لفهم أبعاد الظاهرة أن تعالج عدم اهتمام الجهات المتخصصة بالمشكلة ،فحاولت من خلال جلسات المؤتمر مناقشة جوانب المشكلة من زاوية الاقتصاد الوطني وأرقام التشغيل - لكنها لم تهتم بكيفية معالجة انتهاك الحقوق الإنسانية للمهاجرين اليمنيين القانونين وغير القانونين في دول الخليج ؟، وحاول أعضاء من مجلس النواب من خلال التصريحات الكثيرة مطالبة وزير الداخلية بمعاقبة سماسرة التهريب لكنهم لم يطرحوا مشروعات قوانين لمعالجة مشاكل الشباب ووقف محاولات تهريبهم باعتبارهم جزء من ثروتنا البشرية !!.
كما تعرضت الصحف الأهلية لندوة عربية وتعاون إقليمي بهدف وقف انتشار الظاهرة حيث عرضت نتائج اجتماعات لوزير الخارجية والداخلية وأجهزة الهجرة والجوازات على المستوى العربي للتنسيق والعمل المشترك ضد المهاجرين غير الشرعيين ، دون طرح بدائل لحماية حقوقهم في الأمان ومعالجة مشاكل المجتمعات المحلية وكفالة العيش الكريم للمواطنين ، وطرحت الصحف اجتماعات لدول الخليج العربية مع وزيرة العمل اليمنية بينت فيها تصريحات الوزيرة " إن انضمام اليمن لدول الخليج يحتاج لمعالجة مشاكل المهاجرين اليمنيين غير القانونين ووقف دخول المهاجرين غير القانونين له " لكنها لم تبين الآليات الفعلية في حماية الحقوق الإنسانية للعمال اليمنيين المهاجرين في دول الخليج والمحرمون من كثير من حقوقهم الإنسانية .
والشئ المؤسف أيضا إن معظ
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 16-أبريل-2024 الساعة: 03:32 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.maonah.org/maonah/news-679.htm